17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| شاعرية الهدوء النبيل

إيقاع مختلف| شاعرية الهدوء النبيل

"لقد تعالت موجة السبعينيين من الشعراء على جمهور الشعر فعاقبهم الجمهور بأن أعطى ظهره للشعر والشعراء"

هكذا أجابنى الشاعر الكبير الراحل عبد المنعم عواد يوسف حين سألته يوماً عن حال القصيدة العربية فى مطلع القرن الحادى والعشرين، يومها استعدت ذكرياتى مع هذا الشاعر الكبير، فتذكرت اليوم الذى دعانى فيه الصديق الإذاعى الجميل الراحل رجب حسن للقاء شاعر كبير، تغافلته الساحة الثقافية والإعلامية، على الرغم من أنه يقف جنباً إلى جنب مع رواد القصيدة الجديدة فى مصر فى الخمسينيات: صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى ومحمد مهران السيد وكمال نشأت وغيرهم من الأسماء الكبيرة التى كان لها دور بارز فى تاريخ الحركة الشعرية فى مصر، ولم يكن هذا الشاعر إلا عبد المنعم عواد يوسف، الذى كان لوجوده خارج مصر لسنوات طويلة دور كبير فى عدم الالتفات إلى دوره المهم.

يومها رأيت فيه ذلك التواضع النبيل، وتلك الهدأة الإنسانية الراقية، وحين عرف أننى من محافظة دمياط أخبرنى بأنه يدين بالفضل للشاعر الدمياطى الكبير "محمد الأسمر" الذى كان يشرف على  "ركن الأدب" بمجلة "الزمان" حيث نشرت أولى قصائده عام 1950، وهو العام ذاته الذى تعرف فيه على الشاعر العراقى الكبير "بدر شاكر السياب" عبر إحدى قصائده التى نشرت فى الركن ذاته.

أما أولى قصائده التفعيلية فكانت قصيدة "الكادحون" ، التى نشرت فى مجلة "الثقافة" عام 1952، وهو يؤكد أنها كانت ثالث قصيدة مصرية تنشر من هذا اللون الإبداعى، حيث سبقتها قصيدة "من أب مصرى إلى الرئيس ترومان" للشاعر الكبير عبد الرحمن الشرقاوى ثم قصيدة "العملاق" للناقد الأدبى الكبير عز الدين إسماعيل، ثم تأتى قصيدة "أبى" للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور " أبى"، بعد قصيدة "الكادحون".

الكادحونْ
عادوا إلى أكواخهمْ عندَ المغيبْ
يتعاقبونْ
عادوا، وفي نواظرهمْ ذلُّ السنينْ
عادوا، وبيْنَ ضُلوعهمْ همٌّ دفينْ
يتتابعونْ
والبؤسُ يبدو في اختلاجات العيونْ
***
وأنا أعودْ
متكاسلاً مثلي كمثلِ العائدينْ
الراكنينَ لذلِّهمْ، مستسْلمينْ
مثل الجدودْ
كانوا كذلكَ مثلَنا مستعْبدينْ
القمْحُ غرسهمو ..
ويقتاتونَ طينْ
جيفٌ ودودْ
السوْطُ يُلهبُهمْ، فلا يتكلَّمونْ

تأملت ملامح الشاعر، وهو يذكر هذه الحقائق فى بساطة وتواضع شديدين، فلم ألمس أية لمسة من لمسات التفاخر أو المباهاة، ولم تستوقفنى فى صوته أية درجة من درجات الأسى أو المرارة، أو الرغبة فى استعادة مكانة أو تعديل مكان على خريطة الحركة الشعرية المصرية فى مطلع النصف الثانى من القرن العشرين.
-----------------------
بقلم: السيد حسن


مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة